بقلم هشام صلاح
مدير عام الموارد البشرية بجامعة السادات
كنت احد من شرفت بحضور معرض ايداكس الذي اختتم فعالياته قبل أيام، فهو يمثل نافذه مهمة وشيقة للانفتاح علي تكنولوجيا الصناعات العسكرية. وفي النسخة الثالثة لهذا الحدث العسكري الضخم الذي يعد الأكبر والاشهر في الشرق الأوسط وافريقيا، كان الجناح المصري كالعادة مبهرا ويحمل العديد من المفاجآت، والعنصر اللافت الذي غلب علي كل اجنحة المعرض وكل الشركات المصنعة والعارضة وهو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي باتت القاسم المشترك في معظم المعروضات بما يؤشر انه هو الطريق للمستقبل.
في هذه الدورة حجم المعروض كان هائلا، وأسماء الشركات والدول الحاضرة لا يحتاج الي تعريف،
والمعرض فرصة جيدة لتبادل الخبرات بين مختلف العاملين بالجهات العالمية والمحلية الرائدة فى مجال أنظمة التسليح والصناعات الدفاعية والعسكرية، مما يوفر ذلك فرصة فريدة لمشاهدة أحدث التقنيات والمعدات والأنظمة عبر الأرض والبحر والجو.
دائما الهيئة العربية للتصنيع لها النصيب الأقوى في هذا المعرض، فهي تغطي العديد من القطاعات منها الذخائر والصواريخ والطائرات والعربات المدرعة، كما يتم التعاون بينها وكبريات الشركات العالمية للمساهمة في نقل وتوطين التكنولوجيا لمصر.
وحظى الجناح المصرى الذى تقوده الهيئة بعدد من المنتجات الجديدة، اهما الذخائر الجوية باسم "حافظ " بأربع مستويات، وهناك مركز قيادة وسيطرة متعدد المهام ويعمل حتي المستوى التعبوى وهو تصميم وتصنيع مصري 100%، و كذلك تصميم للسيارات المقاومة للشغب تحت مسمي " قادر 1"، كما هناك خمس منظومات لمجابهة الطائرات المسيرة، وهي منظومات تمت بشراكة مع أفرع وإدارات أخرى بالقوات المسلحة، كما تم عرض جهاز كشف والقياس الإشعاعى، وتم تصميمه وإنتاجه في مصر، وتم تصنيع 2 طراز أحدهما للاستخدام المدني وآخر للعسكرى، كما تم التعاون مع شركات عالمية مثل شركة داسو الفرنسية، وحيث تم تصنيع أجزاء من الطائرات.
وبالعودة الى أهمية الذكاء الاصطناعي العنصر الأبرز في المعرض .. فانه اذا كان التغيير هو سمة التقدم، والعصور كانت تسمي بالطفرات الصناعية منذ عصر النهضة، عام 1709 عندما تم ابتكار اول محرك بخاري يعمل بالفحم، والذي ساهم في تطورا الآلات بصورة كبيرة، وبعدها تم اختراع محركات والوقود، وبعدها تم الولوج الي عصر الذرة ، ثم تكنولوجيا الفضاء، وصولا الي عصر الرقمنة والانترنت ولم ينته الامر عند هذا الحد بل ان وتيرة التغيير تتزايد يرتفع معها سقف الطموحات والاحلام بلا حدود من خلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي أصبحت المحرك الرئيسي في كل مناحي الحياة خاصة العسكرية، وبنظره بسيطة للتفرقة بين اخر الحروب الكبرى التي شارك فيها عشرات الدول وكانت للأسف ممثلة في اجتياح العراق، وبين ما يدور الان من صراع سواء بين روسيا وأوكرانيا ،او حتي في قطاع غزة، نرى بوضوح عنصرين لافتين ، الأول هو استخدام المسيرات والاعتماد عليها بشكل كامل ، والثاني، ان حجم التدمير في كلا الحربين غير مسبوق خاصة في قطاع غزة.. وقبل أيام كشفت وسائل إعلام غربية، منها صحف "الجارديان" البريطانية و"ليبراسيون" الفرنسية، ومجلة "972+" الإسرائيلية الضوء على توظيف تل أبيب للتكنولوجيا الحديثة في الحرب علي القطاع باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.
وقالت، أن الجيش الإسرائيلي يستخدم برنامج ذكاء اصطناعي يدعى "غوسبيل"، مرتبط بوحدة استخبارات عسكرية سرية، يتم تغذيته بالبيانات ثم يختار الأهداف المراد قصفها خلال الحرب على غزة، قدم تحقيق أجرته "مجلة 972+"، ونشرته الجمعة الماضي، تفسيرا لسقوط آلاف القتلى والمصابين الفلسطينيين من المدنيين خلال الحرب، وهو نتيجة الاستخدام الواسع الناطق لنظام "غوسبيل". ونقلت المجلة الإسرائيلية عن ضابط مخابرات سابق، القول إنه يسهل بشكل أساسي إنشاء "مصنع اغتيالات جماعية".وأوضحت أن الخوارزميات التي طورتها إسرائيل، أو شركات خاصة، تعد أحد أكثر طرق القصف تدميرا وفتكا في القرن الـ21. ونقلت الصحيفة الفرنسية عن صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يقوم بشن ما سماه "حرب الذكاء الاصطناعي" الأولى، باستخدام 3 خوارزميات، هي "الكيميائي"، و"غوسبيل"، و"عمق الحكمة"، وذكرت نظاما عسكريا آخر تستخدمه يطلق عليه "مصنع الإطفاء"، مع ضرورة التنبيه الي ان "غوسبيل" هي طائرة بدون طيار تتميز بالقدرة على الطيران لفترات طويلة وارتفاعات عالية وسرعات متوسطة، وهي تعمل بدون طيار؛ حيث يتحكم الطيارون في الأرض في حركة الطائرة.
دائما كانت الحروب هي بداية الطفرات التكنولوجية، خاصة منذ بداية القرن الماضي الذي شهد حربين عالميتين واستخدام السلاح النووي لأول وآخر مرة علي الأقل حتي الان.. وبينما كان العالم يعيش علي وقع الثورات التكنولوجية وتبعاتها في تلك الفترة، جاء الذكاء الاصطناعي ليخلق تحديا جديديا لم نعرف حدودا له ،ووصل الامر الي انه اصبح يغير ويعدل الكثير من النظريات العسكرية التاريخية التي صاغها كبار المفكرين الاستراتيجيين أمثال البروسي فون كلوزفيتز وجورجي جوكوف وفردريتش العظيم من روسيا، الذين صاغوا النظريات العسكرية الملهمة التي وضعت الجيوش علي طريق النصر.. اما الان فالنصر اصبح بيد الذكاء الاصطناعي والمسيرات بدون طيار.